نساء نورستان.. صامدات في وجه الصراعات والتحولات وطالبان

نساء نورستان.. صامدات في وجه الصراعات والتحولات وطالبان
نساء نورستان في أفغانستان

انغلقت جبال نورستان الأفغانية على أسرارها لقرون، واحتفظ سكانها بلغتهم النورستانية وهويتهم الثقافية المنفردة حتى أواخر القرن التاسع عشر، حين فتح الأمير عبد الرحمن خان هذه المنطقة النائية ونشر بين سكانها الإسلام. 

لم تكن نورستان، المعروفة آنذاك بـ"كافرستان"، ساحة هادئة، بل شهدت حملة عسكرية استهدفت سكانها الأصليين الذين تمسّك عدد كبير منهم بديانات غير سماوية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم السبت. 

ومع دخول الإسلام للمنطقة، يبدأ فصل جديد في تاريخ الولاية المحاصَرة بالجبال والصراعات، ومع مرور الزمن، غلبت التقاليد الإسلامية على طبيعة الحياة هناك، لكن النزعة المحافظة تحولت لاحقًا إلى تطرفٍ ديني في بعض أوساط الشباب، بتأثير واضح للفكر الداعشي، ما أضاف تعقيدًا جديدًا إلى المشهد الاجتماعي والثقافي.

جبال شاسعة وخدمات منعدمة

واجهت نورستان إهمالًا تنمويًا صارخًا عبر عقود من الزمن، فلم تصلها يد الدولة إلا نادرًا، وحتى حين فعلت، اقترنت المشاريع بمحسوبيات وفساد واسع. 

وعلى الرغم من جمال طبيعتها وموقعها الحدودي الحيوي مع باكستان، عانى السكان من غياب الطرق المعبدة، وانعدام الخدمات الأساسية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والنقل.

واضطر الأهالي إلى شق طريق بدائي وسط جبال شاهقة في العقدين الأخيرين، لكنه لم يكتمل رغم ميزانيته الضخمة، وتحوّل إلى رمز للفشل التنموي المزمن في أفغانستان، وما زالت النساء والرجال يسيرون لساعات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي، وغالبًا ما يجدونه دون أدوية أو تجهيزات.

دور النساء في الاقتصاد

حافظ مجتمع نورستان على نمط الحياة القبلية، حيث تُتخذ القرارات الكبرى عبر مجالس زعماء القبائل، وتُمارس السلطة الأبوية بصرامة.

ومع ذلك، لم يُقصِ هذا المجتمع النساء تمامًا، بل شكّلن عنصرًا فاعلًا في الحياة اليومية، وخصوصًا في الزراعة وتربية المواشي.

نهضت نساء نورستان بأعباء ثقيلة نتيجة صعوبة الحياة الجبلية، وسدّدن الثغرات التي خلّفها غياب الدولة، فتولين حراثة الأرض، وجني المحاصيل، ورعاية الحيوانات، ما منحهن نفوذًا ملحوظًا داخل الأسر والقرى. 

ورفضت نساء نورستان الانصياع التام لسلطة الرجال، وتمسكن بأدوارهن خارج الإطار التقليدي المرسوم للمرأة الأفغانية.

تحولات سياسية واجتماعية 

صادفت نورستان، كغيرها من الولايات الأفغانية، سلسلة تحولات سياسية واجتماعية جذرية، بدءًا من الانقلاب الشيوعي عام 1978، فقد بدأت موجة اضطهاد شملت الجميع، خصوصًا النساء، اللاتي فقدن ما تبقى لهن من حريات نسبية، وتعرضن لقمع مركّب جمع بين التطرف الذكوري القديم والسلطة الأيديولوجية الجديدة.

شاركت نساء نورستان في مقاومة الاحتلال السوفيتي، وبرزت أسماؤهن في أعمال الدعم اللوجستي، ونقل الأسلحة، وإغاثة المقاتلين، رغم وعورة التضاريس وانعدام وسائل الاتصال، وفاجأن الجميع بصلابتهن، وفرضن واقعًا مغايرًا لما كانت تروجه السلطات بشأن ضعف المرأة وعجزها.

وصمدت نساء نورستان أمام محاولات طالبان تقييد أدوارهن، خاصة بعد عودة الحركة إلى السلطة في عام 2021.

حاول بعض رجال الدين منع النساء من العمل خارج منازلهن، لكن هذه الدعوات قوبلت بمواقف نسائية جريئة، أعلنت رفضها العلني لهذا القيد، وعبّرت عن تصميمها على الحفاظ على أدوارها الاجتماعية والاقتصادية.

واجهت النساء فتاوى أخرى مشابهة في الأعوام السابقة، لكنها لم تنجح في تهميشهن، بل زادت من إصرارهن على البقاء في الحقول والأسواق ومواقع العمل، معتبرات أنهن أقوى من أن يُعدن إلى الخلف في وقت يتقدمن فيه الصفوف، خاصة في مجتمع يعد قيام الرجال بمهام النساء أمراً معيباً.

صلابة الأرض والنساء

شكّلت نورستان حالة فريدة داخل الخريطة الأفغانية، طبيعة قاسية، وتاريخ دموي، ومجتمع تقليدي تُمسك النساء فيه بخيوط الحياة اليومية. 

ولم تكن عزلتها مجرد تضاريس، بل فصل من التهميش السياسي والثقافي والاجتماعي، إلا أن النساء النورستانيات تمكنّ من تحويل القيد إلى أداة قوة.

ولم تنكسر روحهن أمام التقاليد الصارمة، ولا أمام محاولات التقييد الديني، بل جسّدن نموذجًا لمجتمع أنثوي صامد، يحمل عبء الأسرة والوطن معًا. في نورستان، لا تزال المرأة تزرع وتُطعم وتحرس وتقف، في حين أن العالم خارج الجبال لا يزال يتردد في منحها الاعتراف الكامل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية